آخر المواضيع

أهــــــلا وسهـــــــلا بالجميع
حللتم أهلا ونزلتم سهلا

أتمنى من الله ثم منكم أن تكون الزياره مستمره وألا تنقطع ، فبتواصلكم المستمر معي ، ستستمر هذه الحكايه باذن الله ...





بحث

الاثنين، 29 مارس 2010

تاريخ فلسطين من 1939-1948م


تاريخ فلسطين من 1939-1948م

أولا: الأوضاع السياسية لعرب فلسطين 1939ـ 1948
مثلت فترة الحرب العالمية الثانية 1939-1945 فترة هدوء وانتظار في دنيا فلسطين العربية . كأن القمع الشديد الذي وقع أثناء الثورة الفلسطينية الكبرى 1936-1939 قد أدى إلى تخدير الشعب الفلسطيني ، أو أن الازدهار الاقتصادي النسبي الذي حملته سنوات الحرب إلى فلسطين بسبب كثافة الوجود العسكري البريطاني فيها قد ساهم في تهدئة النفوس ولو إلى حين ، أو أن الفلسطينيين والعرب قد اطمأنوا في قراراتهم إلى الموقف البريطاني الجديد المتمثل في كتاب 1939 ، أو رأوا في الصراع الذي نشبت بين البريطانيين والصهاينة ما يبشر بضرب تحالف غير شريف يعيد إلى فلسطين عروبتها . بيد أن هذه الظنون إن صدقت فإنها جعلت عرب فلسطين يستكينون في انتظار ما ستفسر عنه أحداث ما بعد الحرب.
كانت السياسة البريطانية خلال ثورة 1936 قد تمخضت عن تشتيت معظم القيادات السياسية وتدمير الهيئات والجمعيات السياسية التي تمثل العرب . وعند نشوب الحرب العالمية الثانية لم توجد في فلسطين أية هيئة سياسية عربية حتى تلك التي كانت قد أقيمت بمعاونة سلطات الانتداب أو اتبعت سياسة موالية لها كانت قد ضعفت إلى حد كبير .
• الأحزاب الفلسطينية في مرحلة ما بعد الثورة
مع اندلاع الحرب وخلال سنواتها انتشرت عدة أحزاب ومؤسسات سياسية متعددة الاتجاهات بعضها سري محلي والآخر كان فروعا لأحزاب قومية أو دينية منتشرة في البلدان العربية . كما وجدت منظمات للشباب لعبت دورا هاما في تهيئة الأجواء النفسية والعسكرية لمعركة التحرير المصيرية ضد الصهيونية . وهذه المؤسسات لم تصل إلى حد المشاركة في القيادة السياسية العليا التي ظلت مكانتها شاغرة حتى قيام الهيئة العربية العليا في يونيو 1946. ويمكن حصرها فيما يلي :
1. عصبة التحرر الوطني :
أنشئت 1943 وجاءت تجسيدا للنشاط الشيوعي العربي في فلسطين الذي كان قد بدأ مبكرا منذ 1920 وليس من شك أن وقوف الاتحاد السوفيتي إلى جانب الحلفاء في الحرب ساعد في سماح السلطات بنشأة هذه العصبة واستمرار نشاطها حتى 1948 دون توقف(1) .
2. حزب التقدم العربي الفلسطيني :
أنشئ 1944 ولم يختلف في أسلوبه ونهجه عن حزب الدفاع الوطني السابق . ولم يحقق أي انتشار على المستوى الشعبي
3. حزب الشعب :
حزب سري تألف 1944 علي يد مجموعة من قادة الحركة العمالية ومن أصحاب المهن الحرة . وتبنى برنامجا ديمقراطيا ملائما لمواجهة التحديات والمشكلات التي نتجت عن سنوات الحرب . وتغاضت عنه السلطات لعدم وجود نشاط ثوري يؤثر على الأمن .
4. الحزب العربي :
جرت محاولات لتجديد الحزب العربي الذي أنشئ 1935 علي يد السيد " جمال الحسيني " . لكن نشاطه الداخلي تقلص إلى حد كبير واقتصر على تقيم المذكرات السياسية التي لم يخرج مضمونها السياسي عن النهج السابق للحزب . واتسم معظمها بمعالجة بعض الأمور والمشكلات التي تواجه الشعب الفلسطيني في حياته اليومية دون أن يكون لها صلة بموضوعات سياسية ذات بعد قومي واضح (1).
• تشكيل الهيئة العربية العليا
جدير بالذكر أن فلسطين شهدت تشكيل هيئتين قوميتين تعملان على مستوى العام ، للدفاع عن حقوق الشعب العربي الفلسطيني بطائفتيه الرئيستين الإسلامية والمسيحية ، هاتان الهيئتان هما : اللجنة التنفيذية العربية ثم اللجنة العربية العليا الأولى تشكلت في أعقاب قيام الانتداب واستمرت تؤدي دورها حتى اندلاع ثورة 1936 والثانية تشكلت مع قيام الثورة وانتهى دورها بنهايتها . ثم تشكلت في يونيو 1946 الهيئة العربية العليا بقرار من جامعة الدول العربية . غير أن الهيئة الجديدة لم تكن كسابقتيها تعمل من منطلق فلسطيني داخلي إنما كان ثقلها خارج فلسطين وتتأثر بالقرارات التي تتخذها الدول العربية بشأن مستقبل هذا البلد .
الواقع أن قضية فلسطين ظلت حتى الحرب العالمية الثانية قضية يغلب عليها الطابع المحلي أي انشغل بها الرأي العام الفلسطيني القلق على مستقبله بينما لم يهتم بها من البلدان العربية الاهتمام الأمثل سوى سورية بحكم الصلات التاريخية . ثم انتقلت مع قيام الحرب إلى محيط أرحب حيث مثلت محور اهتمام العالم العربي برمته . وربما جاء ذلك مناسبا للمرحلة التاريخية التي أعقبت الحرب حيث تطلعت كافة البلدان العربية إلى الاستقلال والتخلص من نير الاستعمار والتدخل الأجنبي وتحقيق الوحدة العربية وجاء استقلال فلسطين وإيقاف مشروع بناء الوطن القومي أحد أهم عناصر تحقيق هذه التطلعات .
بذلك تقلص دور الهيئة العربية العليا في الداخل إلى مجرد مكتب يتلقى عرائض المواطنين وشكاويهم ويحليها إلى دوائر حكومية مختصة ، ثم التوسط لدى هذه الدوائر لتسهيل مصالح المواطنين . وما من شك أن هذه الصورة الهزيلة التي ولدت عليها الهيئة العربية العليا جاءت في المقام الأول لخدمة مصالح حكومة الانتداب بعد أن رفع عن كاهلها عبء مواجهة إرادة فلسطينية مستقلة تمثل فيها كافة العناصر الوطنية التي تستطيع أن تدافع عن مصالح الشعب الفلسطيني وتقف بكل حزم ضد المخطط البريطاني الصهيوني بتهويد فلسطين . وكانت الحاجة إلى هيئة وطنية قوية أمرا حتميا فرضته ضروريات مرحلة ما بعد الحرب.
التف عرب فلسطين تحت راية الهيئة العربية العليا ووضعوا ثقتهم في حكومات الدول العربية التي بعضها كان قد استقل حديثا مثل سورية ولبنان وبعضها كان لا يزال يجاهد من أجل بلوغه مثل العراق ومصر والآخر كان مستقلا مثل السعودية لكنه لم يكن يملك بمفرده قدرة التأثير على قضية شائكة مثل القضية الفلسطينية . وخدع الفلسطينيون بالتضليل السياسي ومزاعم القدرة على تحقيق الأحلام ، ولم يسعوا إلى تشكيل قيادة سياسية يكون ثقلها في الداخل . ولم يكن لهم أي نشاط يذكر في فلسطين خلال الأعوام التي تلت الحرب سواء سياسيا أو ثوريا اللهم إلا رد فعلهم إزاء لجنة التحقيق الأنجلوأمريكية التي حققت في قضيتهم خلال النصف الأول من عام 1946 . ولم تجد بريطانيا ثمة ما يدعو للتصدي لهذا النشاط خاصة في تلك الآونة حيث كان تركيزها منصبا على التصدي للنشاط الصهيوني المعادي لها في أرجاء البلاد (2).
لم تمانع سلطات الانتداب في تأسيس منظمتين عسكريتين عربيتين هما : النجادة والفتوة أواخر 1945 . ورغم ما أعلنه مؤسسو المنظمتين من أن أهدافهما رياضية إلا أن السلطات وقفت على حقيقة أهدافهما العسكرية الرامية إلى الكفاح المسلح ضد المشروع الصهيوني . وقد اتحدت المنظمتان بقرار من الهيئة العربية العليا في منظمة واحدة مع مطلع 1947. وسمحت السلطات بقيام جمعية الكشاف العربي الفلسطيني 1946 بعد أن كانت ترفض السماح بذلك خلال سنوات الحرب
ثانيا: التطورات الإقليمية والدولية 1939ـ1948
ابتداء من عام 1939 بدأت العلاقات الصهيونية البريطانية تتعرض لتصدع شديد . ففي ذلك العام اتخذت بريطانيا لأول مرة موقفا متفهما للمشاعر العربية بموجب " الكتاب الأبيض 1939 ". ولم تتراجع عنه تحت الضغوط الصهيونية كما اعتادت في مناسبات سابقة . في ذات الوقت كان مركز الثقل الغربي يتجه نحو الولايات المتحدة الأمريكية ، وكان الصهيونيون مدركون لهذا الاتجاه . ولم يأت الخروج الصهيوني من دائرة العمل البريطاني بسيطا إذ كان هناك الصهيونيون " المتشددون " الذين مارسوا أعمالا إرهابية مسلحة ضد الوجود البريطاني في فلسطين بجانب "المتفهمون" الذين تعانوا مع بريطانيا عسكريا واقتصاديا وتقنيا على نطاق واسع خلال الحرب فكسبوا خبرات كثيرة وحازوا معدات حربية وضعت بعد ذلك في خدمة المشروع الصهيوني
في أثناء الحرب نظمت الهجرة غير القانونية على نطاق واسع وباتت مسألة تحديد أعداد المهاجرين أمرا صوريا . وقد وصل فلسطين [ من سبتمبر38 إلى سبتمبر39 ] 35 ألف يهودي بدلا من 10150 المسموح بهم رسميا . وفي نفس الوقت كانت قد اجتمعت اللجنة الدائمة للانتدابات لبحث مقترحات الحكومة البريطانية التي وردت ضمن كتاب 1939 . وتقرر بنسبة أصوات 4:3 أن هذه المقترحات تبدو غير متمشية مع نص الانتداب . ولكن قبل اتخاذ أية خطوة أخرى كانت الحرب قد نشبت في سبتمبر 1939.
• الإرهاب الصهيوني ضد المصالح البريطانية 1942-1946
عملت الصهيونية في سنوات الحرب وما بعدها على الضغط إلى أبعد حد ممكن على بريطانيا لحملها على التراجع عن " كتاب 1939" وعن مجمل موقفها الجديد المفترض من مستقبل البلاد ، كما سعت في الوقت نفسه إلى الإفادة إلى أبعد قدر ممكن أيضا من بريطانيا كقوة سياسية وعسكرية كبرى لا تزال هي القوة المنتدبة على فلسطين .
وبدءا من عام 1942 مارست العصابات الصهيونية أعمالا إرهابية واسعة النطاق ضد المصالح البريطانية في فلسطين . ووقعت في هذا العام مجموعة من الاغتيالات وأعمال العنف التي نفذتها منظمة " شتيرن " .وفي العام التالي اكتشفت السلطات البريطانية مخططا للهاجاناه لسرقة الأسلحة والذخائر التابعة للقوات البريطانية في الشرق الأوسط .وفي أغسطس 1944 جرت محاولة اغتيال المندوب السامي البريطاني في فلسطين هارولد ماك في كمين قرب القدس . كما سقط قتيلا ولتر موين وزير الدولة البريطاني لشئون الشرق الأوسط على يد إرهابي ينتمي إلى منظمة شتيرن . ثم تصاعد الإرهاب الصهيوني وبلغ ذروته في يوليو 1946 عندما نسف الصهيونيون فندق " الملك داود " بالقدس والذي كان مقرا للإدارة المدنية البريطانية في فلسطين مما أدى إلى مقتل أكثر من 90 شخصا معظمهم من الموظفين العرب والبريطانيين واليهود أيضا وإلى سقوط عشرات الجرحى . ومارس الإرهابيون الصهيونيون أعمال الخطف ضد البريطانيين ، وعمدوا إلى نسف سكك الحديد وتخريب المنشآت النفطية في حيفا ، واستمروا في عمليات الاغتيال ، مما أسفر على سقوط عدد كبير من الضحايا . وقد قامت السلطات البريطانية بترحيل الكثير من المدنيين البريطانيين من فلسطين ، إضافة إلى ترحيل عائلات العسكريين ، وتجميع ما بقي من الرعايا في مناطق أمنية خاصة .
وجدير بالذكر ، أن رد الفعل البريطاني على حملة الإرهاب الصهيوني ظل بالغ الحذر والميوعة ، وهو لا يقاس في شئ بالقمع البريطانية الذي واجه الانتفاضة العربية قبل سنوات . فبينما سقط آلاف القتلى العرب على يد القوات البريطانية بين 1936، 1939 وأودع الآلاف السجون والمعتقلات وطبقت قوانين الطوارئ تطبيقا شديدا على النحو السابق بيانه . لكن على الصعيد الشعبي تركت الأعمال الإرهابية الصهيونية تأثيرا سلبيا شديدا على الرأي العام البريطاني ، مما حمل رئيس الحكومة البريطانية ونستون تشرشل ـ وهو من أبرز مؤيدي الحركة الصهيونية منذ زمن بالفور ومطلع الانتداب ـ على الإدلاء بشهادة أمام مجلس العموم البريطاني قال فيها " .. إذا كانت أحلامنا المؤيدة للصهيونية يجب أن تتلاشى في الدخان المنبعث من مسدسات القتلة ، وإذا كانت جهودنا لبناء المستقبل الصهيوني ستلد جيلا جديدا من المجرمين ممن يضاهون مجرمي ألمانيا النازية ، فعلى العديد منا ، ومن بينهم أنا ، العودة عن الموقف الذي طالما دافعنا عنه بصلابة في الماضي "
• الولايات المتحدة الأمريكية والحركة الصهيونية
كان الرأي العام الأمريكي يميل عادة إلى العطف على الحركة الصهيونية بتأثير العدد الكبير من اليهود الذين يتمتعون بنفوذ كبير في أرجاء الولايات المتحدة لاسيما في مناطق النفوذ السياسي وصنع القرار مثل نيويورك وواشنطن وغيرهما .
مؤتمر بالتيمور 1942
لم تكتف الحركة الصهيونية بممارسة الإرهاب ضد الوجود البريطاني في فلسطين إنما سعت بكل قوتها إلى ممارسة ضغوط دبلوماسية ضد بريطانيا لإعادتها إلى " الخط الصهيوني ".
في مايو 1942 عقدت الهيئة التنفيذية للوكالة اليهودية مؤتمرا في فندق بالتيمور في نيويورك بإشراف ديفيد بن جوريون ، وأعلنت رسميا ما عرب بعد ذلك ببرنامج بالتيمور الذي قضى بخلق دولة يهودية في فلسطين تقوم على عمليات هجرة غير محدودة . وأسفر المؤتمر عن عدة قرارات هي :
• فتح أبواب فلسطين للهجرة غير المحدودة .
• إشراف الوكالة اليهودية على الهجرة .
• تأسيس كومنولث يهودي في فلسطين .
• تكوين جيش يهودي .
قبلت القيادات الصهيونية المعتدلة والمتطرفة على حد سواء قرارات مؤتمر بالتيمور. ثم أصدر الكونجرس الأمريكي في يناير1944 قرارا مزدوجا يشجع الهجرة غير المحدودة وتأسيس دولة يهودية . ثم تبع ذلك قرارا آخر في يناير التالي بأن الولايات المتحدة لن تتوانى عن بذل مساعيها الودية واتخاذ الإجراءات الكفيلة بفتح أبواب فلسطين لليهود دون قيد ، وأن يمنحوا الفرصة كاملة لاستعمار الأراضي حتى يتكون في فلسطين في النهاية كومنولث يهودي ديمقراطي حر(1).
هكذا كانت الحركة الصهيونية تتحرك على كل المستويات في انتظار يوم الحسم. فقد كانت تمد نفوذها في الولايات المتحدة الأمريكية وتواجه بريطانيا بكل الوسائل الإرهابية والسياسية والإعلامية المتوفرة لديها لإعادتها إلى " المنحى الصهيوني " والأهم من ذلك ، كانت الصهيونية تنظم أداتها العسكرية في الداخل ، خصوص الهاجاناه التي بلغ عدد أفرادها 60 ألفا . وتضع مخططات سرية دقيقة لتهجير الفلسطينيين تهجيرا جماعيا بقوة السلاح حين تدق الساعة .
• لجنة التحقيق الأمريكية ـ البريطانية 1946
شعرت بريطانيا بالنجاح المذهل التي حققته الحركة الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة للنشاط المتزايد لاسيما أثناء سنوات الحرب ، ذلك النجاح الذي تمثل في الاهتمام المتزايد بقضية توطين اليهود في فلسطين ومساندتهم في إقامة دولة مستقلة لهم هناك
لذا فقد دعت بريطانيا الولايات المتحدة للتعاون معها عن طريق لجنة تحقيق إنجليزية ـ أمريكية مشتركة للبحث في أفضل السبل لحل مشكلة فلسطين ووضع حد للنزاع العربي اليهودي. ووافقت الحكومة الأمريكية دون إبطاء في نوفمبر1945 ثم
صرحت على هامش الاتصالات التي جرت بين الجانبين أن هجرة مائة ألف يهودي آخرين تؤدي إلى حد كبير إلى حل ناجع لمستقبل اليهود المشردين الذين لا يزالون في ألمانيا والنمسا والآخرين الذين لا يرون أن يبقوا حيث هم موجودون
أعلنت أسماء أعضاء اللجنة في نهاية 1945. واستمعت اللجنة إلى شهود في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وفلسطين لهم صلة وثيقة بالقضية الفلسطينية . وأصدرت في أبريل 1946 تقريرا متضمنا عشر توصيات مع ملاحق تفصيلية نشرت في " كتاب أزرق " أهمه) :
• منح مائة ألف يهودي تصريحا بدخول فلسطين ، وهم من ضحايا الاضطهاد النازي والفاشي ، على أن يتم ذلك بأسرع ما يمكن خلال عام 1946 .
• ألا تكون فلسطين دولة عربية أو يهودية ، وألا يسود العرب اليهود ولا اليهود العرب .
• تستمر فلسطين تحت الانتداب البريطاني حتى يتم تنفيذ اتفاق يقضي بوصاية الأمم المتحدة .
• إلغاء كافة القيود الواردة على عمليات انتقال الأراضي ، وأن تترك حرية البيع والرهن والاستعمال دون مراعاة لجنس أو طائفة أو عقيدة شريطة توفير الحماية الكافية لصغار الملاك والمزارعين .
علق أحد المسئولين البريطانيين على توصية اللجنة بمنح مائة ألف يهودي حق الهجرة بأنه توجد صعوبات عملية تحول دون إمكان قبول البلاد هذا العدد الضخم . بينما أبدى الرئيس الأمريكي ترومان ارتياحه لإلغاء كتاب 1939 ومارس ضغوطا قوية للسماح بهجرة هذا العدد من اليهود دون مراعاة للاعتبارات العملية.
ثم وفدت لجنة من خبراء أمريكيين وبريطانيين إلى فلسطين لفحص إمكانية تطبيق الجوانب العملية من توصيات التقرير ، وانتهت إلى قرارات مفادها :
• إمكانية دخول مائة ألف يهودي
• تأييد فكرة بقاء الانتداب قائما لحين النظر في مستقبل الحكم المناسب
• ضمان مصالح الديانات الثلاث في البقاع المقدسة .
• عدم تقسيم فلسطين سياسيا بين العرب واليهود ، ووضع دستور موحد للبلاد يعطي كل طائفة أكبر قدر من السلطة التي تسمح لها بمزاولة شئونها الخاصة .
• تحديد أربعة مناطق إدارية : عربية ، يهودية ، منطقة للقدس ، منطقة للنقب . على أن تكون الحدود بينها مجرد حدود إدارية تسهل عملية الإدارة وتبقي في ذات الوقت على الوحدة السياسية ، وداخل كل منطقة توجد هيئة تشريعية محلية تبحث في الأمور الذاتية ويسمح فيها بممارسة أكبر قدر من الحكم الذاتي .
• مؤتمر لندن 46/1947
لم يرحب العرب بطبيعة الحال بتقرير اللجنة الأمريكية البريطانية ، وصرح الأمين العام لجامعة الدول العربية بأن الأمة العربية موطدة العزم على حماية عروبة فلسطين. وفي يوليو 1946 اقترحت الدول العربية على بريطانيا فتح باب التفاوض في أسرع وقت ممكن لحل المشكلة ، وطالبت بوجوب أن تتجنب الحكومة البريطانية اتخاذ أية إجراءات تناقض الوعود التي قدمتها في كتاب 1939 .
كانت الخطوات التي اتخذت من الجانب الأمريكي والبريطاني ممثلة في نشاط لجنة التحقيق ثم اللجنة الفنية قد دفعت الأخير إلى دعوة ممثلي الدول العربية والوكالة اليهودية للبحث في أفضل السبل التي تعالج الوضع في فلسطين في ضوء ما تم التوصل إليه.
افتتح مؤتمر لندن في سبتمبر 1946 ثم استؤنفت اجتماعاته في يناير 1947. وقد رفضت الوكالة اليهودية الاشتراك تلبية للقرارات التي أصدرها مؤتمرا صهيونيا انعقد في بازل بسويسرا قبل ذلك بقليل ، بينما أرسل عرب فلسطين ممثلين للاشتراك في المباحثات التي استمرت أسبوعين تقريبا . لكن المؤتمر انفض دون الوصول إلى أي اتفاق .
وعلى هامش المؤتمر قدمت بريطانيا مقترحات توفيقية أخيرة إلى ممثلي الدول العربية وممثلي القيادة الفلسطينية من جهة ، وإلى الوكالة اليهودية من جهة أخرى . لكن العرب واليهود لم يقبلوا الاقتراحات التي بنيت على مبدأ تحقيق الاستقلال الذاتي لفلسطين ولو كأساس للمباحثات مستقبلية. وقدم العرب مشروعا آخر يرمي إلى إنشاء دولة موحدة فيها أغلبية دائمة للعرب . ثم رفض الجانبان خطة بريطانية بديلة تمنح العرب واليهود حكما ذاتيا محليا مع فتح باب الهجرة لـ 4000 مهاجر شهريا خلال العامين القادمين ، ثم من ذلك الوقت وفقا لطاقة البلاد الاقتصادية طبقا لما يقرره المندوب السامي . وقد أظهرت المباحثات أن ليس ثمة أمل في حل المشكلة عن طريق المفاوضة . فكل طرف متمسك بوجهة نظره ، العرب يرغبون في دولة عربية مستقلة ، بينما اليهود يطالبون بهجرة غير محدودة حتى يصبحون أغلبية عددية تمكنهم من إنشاء دولة يهودية مستقلة . بجانب أن الحكومة البريطانية رأت أنها لا تملك سلطة تقديم البلاد لأي جانب من الفريقين المتنافسين ولا سلطة تقسيمها فيما بينهما .
• إحالة مشكلة فلسطين إلى الأمم المتحدة
لما تبين فشل كافة سبل علاج المشكلة الفلسطينية ، وأرهقت بريطانيا بأحداث العنف وتقارير اللجان الجوفاء وتصلب كل طرف قررت رسميا في أبريل 1947 إحالة قضية فلسطين للأمم المتحدة .
أعلنت الأمم المتحدة عقد جلسة خاصة لبحث مسألة فلسطين في نفس الشهر في أجواء غلفتها الخشية من الفشل في وضع علاج حاسم لها. وتقرر تعيين لجنة خاصة للتحقيق تكونت من 11 دولة هي : استراليا ، كندا ، تشيكوسلوفاكيا ، جواتيمالا ، الهند ، إيران ، هولندا ، بيرو ، السويد ، أوروجواي ، يوغوسلافيا. وتقرر أن تضع اللجنة تقريرها أول سبتمبر 1947. وكان واضحا منذ البداية أن الأمم المتحدة ذاهبة في الاتجاه الصهيوني ، فخلافا لكل منطق لم يؤخذ بطلب الدول العربية إدراج موضوع استقلال فلسطين على جدول أعمال الجمعية العامة أو ضمن مهمات اللجنة الخاصة ، كما لم يؤخذ بالرأي العربي القاضي بفصل مسألة فلسطين عن موضوع المهًجرين اليهود في أوربا ، فكان اتجاه الأمم المتحدة واضحا قبل أن تضع اللجنة أي تقرير بشأن المسألة وهي أنها في صف وجهة النظر الصهيونية بإنشاء دولة يهودية مستقلة . لهذا قررت الهيئة العربية العليا مقاطعة اللجنة الخاصة.
وجدت اللجنة الخاصة نفسها بدورها أمام موقفين: عربي وصهيوني متعارضين تماما. فالعرب متمسكون باستقلال فلسطين ووحدتها ورفض استمرار الهجرة اليهودية إليها والتخوف من مخاطر الطموحات الصهيونية التوسعية على المدى البعيد . والصهيونية متمسكة بإقامة الدولة اليهودية عن طريق التقسيم مع المطالبة بأكبر مساحة ممكنة من فلسطين وإن أمكن فأراضي مجاورة تقع في نطاق الأردن ولبنان .
جالت اللجنة ربوع فلسطين تجمع المادة اللازمة لتحقيقاتها. وزارت معسكرات المشردين اليهود في ألمانيا. تكون التقرير من 11 مادة ، واشتمل على جزءين: الأول مثل وجهة الأغلبية ، ووافق عليه سبعة أعضاء وأشار بأن تقسم فلسطين إلى دولة عربية وأخرى يهودية علاوة على منطقة دولية تشمل مدينة القدس ، على أن تستقل كل من الدولتين بعد ستنين ، وتدير بريطانيا شئون فلسطين خلالهما باعتبارهما فترة انتقالية. الثاني الأقلية . جهة نظر الأقلية ، ووافق عليه ثلاثة من الأعضاء ، وقضى بإنشاء دولة مستقلة اتحادية عاصمتها القدس مؤلفة من كيانين عربي ويهودي. وتقام في القدس بلديتان واحدة للأحياء العربية والأخرى للأجزاء التي تضم أكثرية يهودية. وامتنعت استراليا عن التصويت على أي من الاقتراحين ، ربما بإيحاء من بريطانيا التي بدا وكأنها ترغب في إحباط مشروع التقسيم . وبذلك جاء تقرير الأغلبية بمثابة اقتراح بالتقسيم مقدم إلى هيئة الأمم المتحدة .
يلاحظ ، أن تقرير الأغلبية تجاهل انخفاض عدد السكان اليهود في الدولة اليهودية المقترحة. فأولا: ووفقا لتقرير اللجنة ، فإن الدولة اليهودية كانت ستضم 498 ألف يهودي و 407 ألف عربي بنسبة سكان يهود تصل إلى 55 % من مجموع السكان. بينما كانت الدولة العربية تضم 725 ألف عربي مقابل 10 آلاف يهودي بنسبة 01, 0%. وضمت منطقة القدس 105 ألف عربي و 100 ألف يهودي بنسبة سكان يهود 48% . وتجاهل التقرير نحو 90 ألف عربي بدوي يقيمون في المنطقة التي خصصت للدولة اليهودية مما يرفع عدد العرب إلى 497 ألف عربي ويشكلون بذلك نصف عدد السكان في تلك الدولة. وهكذا فإن عدد اليهود في فلسطين في كل الأحوال لم يكن يتيح لهم إقامة دولة ذات أغلبية يهودية فائقة أو حتى قليلة التفوق.
رفضت الجامعة العربية كما رفضت القيادة الفلسطينية ممثلة في الهيئة العربية العليا مشروع التقسيم بمجرد أن أعلن عنه . أما الحركة الصهيونية فقد وافقت عليه مع المطالبة بتوسيع رقعة أراضي الدولة اليهودية المقترحة. في تلك الأثناء صرحت بريطانيا رسميا أنها قد وجدت الانتداب على فلسطين قد أصبح متعذرا وأنه إذا لم يحل محله نظام يقبله كل من العرب واليهود ، فإنها ستشرع في الانسحاب المبكر من فلسطين ، في الوقت الذي لن تفرض فيه حلا بالقوة على الأطراف المعنية. ثم صرح ممثل بريطانيا في الأمم المتحدة بأن حكومة بلاده تعتزم إخلاء فلسطين قبل أول أغسطس 1948.
انعقد الاجتماع الثاني للجمعية العمومية للأمم المتحدة بين شهري سبتمبر ونوفمبر 1947. وأصبح عليها اتخاذ قرار في ضوء مقترحات اللجنة الخاصة . وبعد مناقشات طويلة وضغوط مستميتة مارستها الولايات المتحدة على كثير من الدول الأعضاء تمت الموافقة النهائية على مشروع تقسيم فلسطين طبقا لمشروع الأغلبية الذي وضعته اللجنة الخاصة مع إدخال تعديلات بسيطة عليه في 29 نوفمبر 1947 بأكثرية 33 دولة ضد 13 دولة مؤلفة من الدول العربية والآسيوية بالإضافة إلى اليونان وكوبا ، وامتناع 10 دول عن التصويت ، من بينها بريطانيا صاحبة الدور الأساسي في مأساة الشعب العربي الفلسطيني. وقد بدت غير قادرة على مواجهة ما تسببت فيه !!
لقد أقرت الأمم المتحدة تقسيم فلسطين دون أخذ رأي سكانها ضاربة عرض الحائط بحق تقرير المصير والاستقلال بعد الانتداب وبكل الحقوق والمعطيات . وأولت الأقلية اليهودية التي لم تكن تملك أكثر من 6, 5 % من مجموع أرض البلاد ولا أكثر من 11 % من أراضيها الزراعية والقابلة للزراعة أولتها هكذا ودفعة واحدة الجزء الأكبر من مساحة فلسطين [ 56 % ] لتقيم عليه دولتها . وشملت الدولة اليهودية معظم الساحل الفلسطيني من عكا إلى مشارف منطقة غزة ، إضافة إلى مناطق صفد وطبرية وبيسان على طول الحدود مع سورية وصحراء النقب حتى خليج العقبة ، وضمت المنطقة بشكل عام معظم الأراضي الزراعية الخصبة بما فيها بساتين الحمضيات التي تشتهر بها فلسطين . وقضى قرار الأمم المتحدة أن يبقى نصف مليون فلسطيني غرباء في بلادهم تحت رحمة عدو لا يعرف الرحمة. أما الجزء المخصص للدولة العربية فقد ضم فلسطين الوسطى والشمالية حتى الحدود اللبنانية بالإضافة إلى منطقة غزة وسواحلها . وبات بموجب مشروع التقسيم مفصولا تماما عن مينائه الرئيسي على البحر المتوسط ميناء حيفا ، فاقدا كل صلاته الجغرافية بسورية من جهة البحر وبالبحر الأحمر من جهة أخرى. ووسط أراضي الدولة العربية هناك القدس المقرر وضعها هي ومنطقتها تحت نظام دولي.
أصدرت الأمم المتحدة قرار التقسيم على شكل توصية موجهة إلى بريطانيا بصفتها الدولة المنتدبة وكذلك إلى سائر أعضاء المنظمة لتبني وتنفيذ مخطط التقسيم مع تحقيق اتحاد اقتصادي. ولم يكن للقرار معنى تنفيذي فقد أعلنت بريطانيا قبل صدوره نفض يدها نهائيا من المسألة. ثم أبلغت الأمم المتحدة ثانية بعدم استعدادها تنفيذ القرار بالقوة وبعزمها الانسحاب من فلسطين في موعد غايته 15 مايو 1948 مقدًمة بذلك الموعد الذي حددته من قبل 3 أشهر تاركة البلاد أمام الانفجار الكبير.
رفضت الهيئة العربية العليا قرار التقسيم واضطرب الأمن أكثر من ذي قبل. وواضح أن الأمم المتحدة والولايات المتحدة لم يقدرا حجم المعارضة العربية لقرار التقسيم تقديرا صحيحا. وفي تلك الأثناء اجتهد اليهود في استيراد الأسلحة وفتح اعتمادات مالية ضخمة لإنشاء جيش كبير بزعم الدفاع . ولم ينته فبراير 1948 إلا وتبين صعوبة السيطرة على الوضع الأمني ، واقترحت الولايات المتحدة وضع الأمر في يد مجلس الأمن. ثم سارت الأمور من سيئ إلى أسوأ خلال شهري مارس وأبريل دون أن تقوم الأمم المتحدة بأي عمل معين ، بينما كانت سلطات الانتداب مشغولة بجمع حوائجها تهيئة لساعة الرحيل ولم يأبه أحد من مسئوليها لا بالأعداد الضخمة من النازحين اليهود ولا بالأسلحة التي تفد إليهم ولا بالاستعدادات التي تتم علنا وسرا للانقضاض النهائي على فلسطين
ثالثا: حرب فلسطين 1948 ونتائجها
جاءت حرب 48 نتيجة منطقية للأحداث والتطورات التي ارتبطت بفلسطين منذ صدور تصريح بالفور 1917 . تلك الأحداث والتطورات التي كانت أطرافها ثلاث قوى رئيسية ، بريطانيا باعتبارها الدولة صاحبة التصريح والتي تقرر انتدابها على فلسطين وتتحمل النصيب الأكبر من مجمل ما وصل إليه الحال ، الحركة الصهيونية التي كانت غايتها تهويد فلسطين ، عرب فلسطين والدول العربية الذين كتب عليهم أن يكونوا أصحاب الأرض التي وجب عليهم الدفاع عنها.
• العرب والصهاينة والاستعداد للحرب
لقد قدر على العرب أن يواجهوا عدوا شديد المراس ، لكنهم لم يكونوا أهلا للمسئولية التي وقعت على عاتقهم . فعندما اتخذت الأمم المتحدة قرار التقسيم وبدأ الوضع يتجه نحو الانفجار كان واضحا إهمال العرب للجانب العسكري . ويثير الدهشة توقف العرب طوال الفترة من نوفمبر 1947 حتى مايو 1948 عند الجانب السياسي دون سواه . فالدول العربية كانت تظن بأن الغرب لن يقف مع المشروع الصهيوني في نهاية المطاف ضد الأمة العربية ، خصوصا وأن بريطانيا اتخذت موقفا ملائما نسبيا مع العرب في كتاب 1939، ثم دخلت بعد ذلك في خلاف مكشوف مع الصهيونية ، على الأقل مع الطرف المتشدد فيها . وكانت الدول العربية تنظر بكثير من الجدية إلى العلاقات السياسية والدبلوماسية مع الدول الغربية وترنو إلى الحفاظ عليها . واحترمت في النهاية التوقيت الذي اختارته بريطانيا للانسحاب من فلسطين أي 15 مايو 1948، ولم تحاول الحسم العسكري في فلسطين قبل ذلك التاريخ
مقابل ذلك ، أولى الصهيونيون اهتماما شديدا بالجانب العسكري وأعدوا له منذ سنين في انتظار "يوم الحسم" . ولم يكن الجانب السياسي عندهم سوى " عنصرا من العناصر " ليس أكثر ، ولم يكن بأي حال هو الجانب الأهم في نظرهم ، ففي كل الأحوال كان "الحل العسكري" لديهم هو الحل الوحيد لإقامة "الدولة اليهودية" سواء صدر بذلك قرار عن الأمم المتحدة أو لم يصدر . وبينما كانت الصهيونية تواصل تحركها السياسي الواسع في الولايات المتحدة والأمم المتحدة والعالم الغربي بشكل عام كانت التنظيمات العسكرية الصهيونية في الداخل تعد العدة للحرب ، فكوًنت جهازا عسكريا متطورا ومدربا وأعدت خططا دقيقة لتحقيق كل الغايات ومواجهة كافة الاحتمالات . وما أن حل يوم 15 مايو حتى كان اليهود على أهبة الاستعداد لإعلان قيام دولة "إسرائيل" التي سرعان ما فرضت سيطرتها العسكرية على الجزء الأكبر من البلاد(1).
لمست اللجنة الأمريكية البريطانية التي حضرت إلى فلسطين 1946 مدى الإعداد العسكري الصهيوني. وقد قدرت القوات الصهيونية بأكثر من 56 ألف مسلح كاملي التجهيز والتنظيم في الهاجاناه بجانب ما يقرب من 5000 آخرين ضمن المنظمتين الأخرتين "إيرغون" و"شتيرن" . وجاء بتقرير اللجنة " .. أن المنظمة العسكرية العامة التي تحمل اسم الهاجاناه على أكمل وجه من التنظيم .. وهي تجهز نفسها بالأسلحة منذ سنوات طويلة .. وهناك كميات كبيرة لديها مصدرها الحملات العسكرية البريطانية في الشرق الأوسط خلال الحرب الأولى .. وتحفظ الهاجاناه الأسلحة والذخائر في مخابئ مبنية لهذه الغاية في المستوطنات والمدن "
وإذا كان الاستعداد العسكري قد وجب على العرب وجوبا حتميا مع إطلاق الأمم المتحدة قرار التقسيم فإن الاستعداد لحرب الصهاينة ما كان يجب أن يتوقف منذ أن صدر تصريح بالفور، وكان الأجدر بالبلدان العربية أن تولي قضية فلسطين قدرا أكبر من الجدية خاصة مع انطلاق الثورة الكبرى ؛ وألا تثق في الغرب الأوربي لاسيما بريطانيا التي ما فتئت أن خانت ما قطعته من عهود بالاستقلال للعرب . لكن نزعة تأمين المصالح الذاتية التي هيمنت على الأمراء والملوك وبعض القيادات الفلسطينية وتحقيق مكاسب شخصية على حساب الصالح العربي العام كانت أقوى من كل اعتبارات وإرهاصات الخطر التي توالى ظهورها تباعا والتي أدركها الجميع دون استثناء .
• القتال داخل فلسطين نوفمبر 1947ـ مايو 1948
ما أن صدر قرار التقسيم عن الأمم المتحدة أواخر نوفمبر 1947 حتى بدأ العنف يهز فلسطين. وبعد ثلاثة أشهر فقط ، أي في مطلع عام 1948 كان قد سقط عدد كبير من الجانبين ما بين قتيل وجريح . ومع اقتراب موعد الانسحاب البريطاني صعًدت المنظمات الصهيونية عملها العسكري تصعيدا كبيرا ، وأطلقت منظمة الهاجاناه قواتها في أوائل أبريل أي قبل شهر ونصف من موعد الانسحاب وانتهاء الانتداب لتنفيذ خطة " دالت " التي استهدفت ما يلي :
• فرض السيطرة العسكرية على كل المنطقة المعدة لإقامة الدولة اليهودية .
• تعزيز أمن جميع المستوطنات اليهودية الواقعة خارج هذه المنطقة .
• احتلال أكبر مساحات ممكنة من أراضي القرى والمدن العربية خارج نطاق الدولة اليهودية .
• إثارة الرعب والتهجير الجماعي على نطاق واسع .
خلال الأسابيع الأخيرة من عمر الانتداب ـ بينما كانت الدول العربية تنتظر انتهائه لتتدخل ـ توغلت قوات صهيونية ضخمة داخل القسم المخصص للدولة العربية خاصة طريق يافا ـ القدس بهدف تمزيقه وتقطيع أواصر الدولة العربية وضربها في العمق. وأثناء الهجوم وقعت مذبحة دير ياسين الشهيرة التي نفذتها منظمتا " إيرغون " و " شتيرن " في القرية الفلسطينية الآمنة قرب القدس في 9 أبريل 1948 ، وقتل فيها بصورة مروعة 245 شخصا من الرجال والنساء والأطفال . وكان لمذبحة دير ياسين دور كبير في الحرب النفسية وإرهاب المدنيين الفلسطينيين في كل مكان وحملهم على مغادرة قراهم . ولم ينكر مناحيم بيجين هذا الدور ، وكتب يقول " .. ساعدتنا أسطورة دير ياسين بصورة خاصة على احتلال مدينة حيفا .. فقد تقدمت القوات اليهودية كلها حتى حيفا كالسكين في قالب الزبد .. وقد أخذ الهلع العرب وفروا صائحين " دير ياسين " فاحتلت طبرية بعد أن انسحب البريطانيون فجأة منها غير آبهين بما يحدث .. ثم احتلت طبرية .. وبدأت موجات اللجوء الفلسطيني إلى البلدان العربية المجاورة . " . ثم حاصرت قوات الهاجاناه يافا ودفعت بأهلها إلى البحر في اتجاه غزة ومصر ، وقضى كثير منهم نحبه غرقا . واحتل الصهيونيون أحياء القدس الغربية والشرقية خارج المدينة القديمة وطردوا سكانها العرب نحو رام الله وبيت لحم وشرقي الأردن . كما سقطت صفد ومنطقة الجليل وطرد أهاليها إلى سورية ولبنان . ثم سقطت بيسان وطرد أهلها . وهكذا قبل موعد الرحيل البريطاني كانت القوات الصهيونية قد سيطرة على الجزء الأكبر من فلسطين ، خاصة المنطقة المخصصة للدولة اليهودية في مشروع التقسيم وعلى محاور رئيسية في المنطقة المخصصة للدولة العربية الفلسطينية وطرد عشرات الآلاف من أرضهم وبلادهم.
• النزوح الفلسطيني الضخم خلال العام 1948
لم تحدد قيادات الحركة الصهيونية كيفية إدارة دولتهم بأعداد ضخمة من السكان العرب ، وربما كان هذا الجانب هو الوحيد الذي لم يأخذ قدره من الدراسة والتخطيط المسبق كما كان الحال بالنسبة لكل ما ارتبط به حلم إقامة دولة يهودية . وكل ما قيل بشأن وضع العرب في ظل الدولة اليهودية قد اتسم " بالعفوية والخيال " وظهر متأخرا مع تدويل القضية الفلسطينية رسميا منذ أوائل 1946.فلم تشر آراء القادة الصهاينة مثلا إلى طبيعة المكانة الاجتماعية للعرب في ظل الدولة اليهودية أو أوضاع ملكياتهم الخاصة وأوضاعهم الاقتصادية الأخرى أو حقوقهم السياسية والمدنية ، إنما جاءت منسجمة ومفاهيم المجتمع الأمريكي والأوربي الذي ينتمي إليه معظم من تولوا مسئولية التحقيق في القضية الفلسطينية ، وركزت كلمات أولئك القادة على شعارات المساواة التامة بين جميع المواطنين بغض النظر عن الجنس والعقيدة والاعتناء برفاهية الشعب بأكمله دون تفرقة بين يهود وعرب والحرص على أمن العرب وسلامتهم من أجل تقدمهم اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا .
لقد كان أخطر ما ترتب على حرب 48 ذلك النزوح العربي الضخم الذي واكب العمليات العسكرية الصهيونية قبل انسحاب بريطانيا ، ثم أثناء المواجهات التي وقعت مع الدول العربية التي دخلت الحرب. وقد تحول عرب فلسطين بسبب النزوح أو الخروج من بلادهم إلى أقلية داخل دولة إسرائيل وهو ما لم يحدث له مثيل في أي مكان في العالم
ولم يخطر ببال تلك القيادات إمكانية حدوث نزوح عربي بهذا الحجم ، إنما نظروا إلى مشكلة وجود العرب في فلسطين على أنها " قضية مؤجلة " يمكن معالجتها في ضوء ما سينتهي إليه صراعهم المرتقب مع العرب . لذا فإنه يمكن القول أن نتائج حرب 48 التي أدت إلى تحويل العرب إلى أقلية صغيرة العدد في دولة يهودية من بين التصورات التي طرحت في أذهان القيادات الصهيونية ، لأن تلك النتائج خاصة فيما يتصل بالانقلاب الديموغرافي الشديد كانت مفاجئة لكل من العرب واليهود على حد سواء . ويرجع ذلك إلى عدة اعتبارات هام:
• كفاح عرب فلسطين أثناء حكم الانتداب وشدة معارضتهم لبناء الوطن القومي اليهودي مما كان يعنى تهديدا قويا لفكرة إقامة الدولة اليهودية .
• صعوبة التنبؤ بمستقبل تلك الدولة ـ حال قيامها ـ في ظل هيمنة ديموغرافية عربية .
• انحصار العلاقات بين العرب واليهود تحت حكم الانتداب في نطاق ضيق للغاية لم يتعد حدود علاقات شخصية ضيقة أو علاقات اقتصادية لم تخرج عن الإطار الذي وجدت له ، مما أثر على فرص التفاهم بين الجانبين ووضع تصور مناسب عن أوضاع العرب في الدولة اليهودية.
الواقع ، أن النزوح الضخم وقع تحت تأثير عوامل سيكولوجية وظروف خارجية لا دخل لليهود بها ، مثل اعتماد عرب فلسطين على تدخل الدولة العربية ضد الكيان الصهيوني وتصورهم العودة إلى بلادهم تحت مظلة الحماية التي ستوفرها هذه الدول للنازحين . وقد كانت هذه العوامل سببا في تشجيع اليهود على المضي في تنفيذ مخططهم القائم على الإرهاب والعنف للتخفيف من حدة التفوق الديموغرافي العربي في فلسطين ، ولولا هذه العوامل ما أتت العمليات الإرهابية بهذه النتائج .
بيد أن الحرب أسفرت عن موجات نزوح ضخمة للسكان العرب إلى خارج فلسطين ، وجزء منهم توجه بعيدا عن أماكن إقامتهم الأصلية إلى أماكن أخرى داخل حدود المنطقة التي استطاعت القوى الصهيونية أن تقيم عليها الدولة اليهودية. وبدأت الموجات مواكبة لتطور الأحداث وسير المعارك واختلفت أسبابها حسب ظروف كل مرحلة من مراحل الحرب . ويمكن تقسيم مراحل النزوح إلى أربعة مراحل هي :
المرحلة الأولى :
شهدت هذه المرحلة فيما بين نهاية نوفمبر 1947 ونهاية فبراير 1948 نزوحا محدود الأثر نتيجة تماسك عرب فلسطين وصلابة قدراتهم الدفاعية ، إضافة إلى أن معارك هذه المرحلة اتخذت شكل حرب العصابات ولم يتخللها حوادث إرهابية واسعة النطاق ، واقتصرت على نزوح عدد محدود من العرب ، وتركزت الأماكن التي خرجوا منها في الأجزاء الساحلية ، وتحول عدد صغير من أفراد هذه الموجة إلى لاجئين ، ومعظمهم كان من أبناء الطبقة الوسطى من سكان المدن مثل حيفا ويافا. وقدر عددهم وفقا لمصادر إسرائيلية 30 ألفا خرج معظمهم انتظارا لما ستفسر عنه الحرب التي ستخوضها الدول العربية .
المرحلة الثانية
استمرت هذه المرحلة من موجات النزوح العربي خلال شهر مارس وشملت أعدادا صغيرة أيضا ، لكنها شهدت ازديادا في أعداد النازحين من المناطق الساحلية خاصة مدينة يافا ، وبلغ عددهم 30 ألف أيضا .
المرحلة الثالثة :
وقعت ما بين أبريل إلى منتصف مايو ، وهي المرحلة التي اتسمت بالعنف الصهيوني المخطط . ونتج عنها وفقا للمصادر العربية نزوح نحو 350 ألف من مدن طبرية وحيفا ويافا وبيسان وعكا والأحياء العربية من مدينة القدس الغربية ومن عشرات القرى القريبة من هذه المناطق. ويذكر أن مذبحة دير ياسين وقعت في هذه المرحلة.
المرحلة الرابعة :
بدأت مع اندلاع الحرب العربية الإسرائيلية إلى ما بعد توقيع اتفاقيات الهدنة بين الدول العربية وإسرائيل خلال صيف عام 1949 وكان الخروج قد توقف بشكل مؤقت أثناء النصف الثاني من مايو وشهر يونيو بسبب الأوضاع المتقدمة التي أحرزتها الجيوش العربية حتى نهاية الهدنة الأولى [ 11 يونيو ـ 7 يوليو 1948 ] وانشغال الصهاينة بالتصدي للقوات العربية ، وافتقارهم إلى استراتيجية معينة للتهجير كما كان الحال خلال شهر أبريل السابق.
لما استؤنف القتال من جديد فيما بين 8 ـ 18 يوليو 1948 ظهر التفوق اليهودي واضحا بعد أن استفادت إسرائيل من الهدنة الأولى في جلب الأسلحة والعتاد والمحاربين من الخارج ، مما مكنهم من الاستيلاء على مزيد من الأراضي العربية خارج نطاق التقسيم والاستمرار في طرد العرب وإجلائهم عن أراضيهم ومصادرة أملاكهم . فاحتلت عدة مدن وقرى خاصة في مرتفعات الجليل الغربي والجليل الأسفل .
وجدير بالذكر أن أسباب ووسائل النزوح اختلفت قبل وبعد قيام إسرائيل . فبينما كانت الأسباب والوسائل قبل إسرائيل قد نشأت في ظل شعور عام ساد الأوساط العربية بأن النزوح حالة مؤقتة سوف تنتهي بمجرد أن تحقق الدول العربية النصر على الحركة الصهيونية ، مما كان يعني وجود حالات نزوح اختيارية . فقد شعرت إسرائيل بقيمة إخلاء الأرض من السكان العرب ، وظهرت حاجة ملحة إلى الاستمرار في سياسة دفع العرب إلى الخروج خاصة في الجزء الأوسط المحتدم فيه الصراع ، وحيث كان بقاء عشرات الآلاف من الشعب العربي في هذا الجزء لم يكن يطمئن القيادات الإسرائيلية على مركز اليهود الديموغرافي في الدولة الجديدة
• تحول عرب فلسطين إلى أقلية داخل إسرائيل
تشكل الأحداث التي وقعت في مدينتي اللد والرملة في أعقاب سقوطهما في 18 يوليو 1948 ما يشير إلى سعي إسرائيل إلى تنفيذ مخططها في تحقيق الانقلاب الديموغرافي بصورة منظمة ترتكز أساسا على وسائل القوة والعنف . وقد شنت قوات البالماخ [ الجناح الهجومي في الجيش الإسرائيلي ] هجوما على المدينتين هدفه إخراج سكانهما البالغ عددهم آنذاك 80 ألف نسمة بالقوة . ووضعت وحدات من الجيش جزء من السكان بالشاحنات الإسرائيلية ودفعتهم للخروج صوب خطوط الهدنة . وفرض على مجموعة أخرى السير على الأقدام في نفس الاتجاه . كذلك استمرت القوات الإسرائيلية في استخدام القوة والتهديد والإرهاب لدفع العرب نحو النزوح الإجباري من القطاع الأوسط ومناطق الجليل والنقب حيث الكثافة السكانية العربية عالية وشكلت خطرا على الوضع الديموغرافي اليهودي . وقد حدث ذلك على سبيل المثال في قرى : " عين غزال " ، " جبع " ، " عليوط " ، " الدوايمة " ، " كفر عنان " ، " كفر ياسيف " ، " المجدل " . وبلغت القرى العربية التي تعرضت لحوادث طرد نحو 30 قرية حتى نهاية أكتوبر 1948، وأسفرت الممارسات الإسرائيلية خلال المرحلة الرابعة عن طرد نحو 335 ألف عربي .
والواقع ، أنه لم يكن من السهل معرفة الأعداد الحقيقية للفلسطينيين الذين نزحوا عن المناطق التي وقعت تحت الاحتلال الإسرائيلي ، ويعزو ذلك إلى الظروف التي مرت بها البلاد وبقائها في حالة ثورة دائمة ما يقرب من عام ونصف . وقد ورد في تقديرات بعثة الأمم المتحدة إلى فلسطين سنة 1948 أن عدد السكان العرب الذين بقوا في المناطق التي أقيمت عليها إسرائيل بلغ 133 ألف نسمة بنسبة 32, 8 % من عدد السكان العرب الذي كان يفترض أن تضمهم دولة إسرائيل طبقا لمساحة الأراضي التي استولت عليها والتي بلغت 77 % من مجموع مساحة فلسطين .
ووضعت حكومة إسرائيل تقديرات شاملة عن الأعداد الحقيقية للأقلية العربية تضمنت أعداد البدو ، وهي لم تختلف كثيرا عن كافة التقديرات الأخرى . فذكرت أن الأقلية بلغت نهاية 1948 نحو 170 ألف نسمة ، منهم نحو 119 ألف مسلم بنسبة 70 % من إجمالي العدد ، 35 ألف مسيحي بنسبة 20 % ، 15 ألف درزي بنسبة 10 % . ومن بين هؤلاء نحو 30 ألف لاجئ داخل إسرائيل نفسها [ العرب الذين انتقلوا من مكان إلى آخر داخل إسرائيل ] .
انعكس التحول الديموغرافي
الخطير الذي سببته الحرب على شكل الحياة داخل إسرائيل . فتحولت إلى دولة ذات أغلبية ساحقة من اليهود . ولا غرابة في ذلك فإسرائيل تمكنت من إخلاء مدن عربية من معظم سكانها العرب بما في ذلك مدن عربية كبرى كانت ضمن المنطقة المخصصة للدولة العربية طبقا لقرار التقسيم ، وهي مدن : يافا ، حنين ، عكا . أما بالنسبة إلى القرى العربية ، فمن أصل 475 قرية عربية في المنطقة التي استولت عليها إسرائيل استطاعت أن تخلي منها نحو 385 قرية ، منها نحو 180 قرية في القسم الذي خصص للدولة اليهودية بنسبة تصل إلى 1, 81 % من مجموع تلك القرى . وقد بقيت جاليات عربية قليلة في مختلف مدن وقرى فلسطين التي استولت عليها إسرائيل ، لكنها فقدت طابعها العربي .
لا يمكن تجاهل أن بقاء هؤلاء العرب كالأقلية داخل إسرائيل يعزو إلى تمسكهم بأراضيهم ومنازلهم وأملاكهم واعتزازهم بانتمائهم الوطني القوي الذي كان أقوى من خوفهم من بطش اليهود وانتقامهم . ولقد كان هؤلاء الأبطال نواة حركة قومية عربية داخل إسرائيل ، تلك الحركة التي ستظهر جلية بعد مرور عشر سنوات على قيام الدولة اليهودية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق