
محمد محمود الزبيري
| ما كنتُ أحسِبُ أني سوفَ أبكيهِ | وأنّ شِعْري إلى الدنيا سينعيهِ | 
| وأنني سوف أبقى بعد نكبتهِ | حيّاً أُمزّق روحي في مراثيه ِ | 
| وأنّ من كنتُ أرجوهم لنجدتهِ | يومَ الكريهةِ كانوا من أعاديهِ | 
| ألقى بأبطاله في شرّ مهلكةٍ | لأنهم حقّقوا أغلى أمانيهِ | 
| قد عاش دهراً طويلاً في دياجرهِ | حتى انمحى كلُّ نورٍ في مآقيهِ | 
| فصار لا الليلُ يُؤذيه بظلمتهِ | ولا الصباحُ إذا ما لاح يهديهِ | 
| فإن سلمتُ فإني قد وهبتُ لهُ | خلاصةَ العمرِ ماضيه، وآتيهِ | 
| وكنتُ أحرص لو أني أموت لهُ | وحدي فداءً ويبقى كلُّ أهليهِ | 
| لكنّه أَجَلٌ يأتي لموعدهِ | ما كلُّ من يتمنّاه مُلاقيهِ | 
| وليس لي بعده عُمْرٌ وإن بقيتْ | أنفاسُ روحيَ تفديه، وترثيهِ | 
| فلستُ أسكُنُ إلا في مقابرهِ | ولستُ أقتاتُ إلا من مآسيهِ | 
| وما أنا منهُ إلا زفرةٌ بقيتْ | تهيم بين رُفاتٍ من بواقيهِ | 
| إذا وقفتُ جثا دهري بكَلْكَلِهِ | فوقي وجَرّتْ بيافوخي دواهيهِ | 
| وإن مشيتُ به ألقتْ غياهبُهُ | على طريقي شِباكاً من أفاعيهِ | 
| تكتّلتْ قوّةُ الدّنْيا بأجمعها | في طعنةٍ مزّقتْ صدري وما فيهِ! | 
| أنكبةٌ ما أُعاني أم رؤى حُلُمٍ | سهتْ فأبقتهُ في روحي دواهيه ِ | 
| أعوامُنا في النضال المرِّ جاثيةٌ | تبكي النضالَ، وتبكي خطبَ أهليهِ | 
| بالأمسِ كانت على الطغيان شامخةً | تجلوه عاراً على الدنيا وتُخزيهِ | 
| وارتاع منها طغاةٌ ما لها صلةٌ | بهم، ولا كان فيهم من تُناويهِ | 
| لكنهم أَنِسوها شعلةً كشفتْ | من كان عُريانَ منهم في مخازيهِ | 
| فأجمعوا أمرَهم للغدر، وانتدبوا، | لكيدنا كلَّ مأجورٍ، ومشبوهِ | 
| واسْتَكلبتْ ضدّنا آلافُ ألسنةٍ | تسُومُنا كلَّ تجريحٍ، وتَشْويهِ | 
| من كلِّ مرتزقٍ لو نال رشوتَنا | أنالنا كلَّ تبجيلٍ، وتنويهِ | 
| وكلِّ طاغيةٍ لو نرتضي معهُ | خِيَانَةَ الشعبِ جاءتْنا تهانيهِ | 
| وكلِّ أعمًى أردنا أن نردّ لهُ | عينيه، فانفجرت فينا لياليهِ ! | 
| وكلِّ بوقٍ أصمِّ الحسِّ لو نَبَحَتْ | فيه الكلابُ لزكّاها مُزَكيّهِ | 
| وألبّوا الشعبَ ضدَّ الشعبِ واندرأوا | عليه من كلّ تضليلٍ وتمويهِ | 
| ياشَعْبَنا نصفَ قرنٍ في عبادتهمْ | لم يقبلوا منكَ قُرباناً تُؤدّيهِ | 
| رضيتَهُمْ أنتَ أرباباً وعشتَ لهم | تُنيلُهم كلَّ تقديسٍ، وتَأليهِ | 
| لم ترتفع من حَضيض الرقِّ مرتبةٌ | ولم تذق راحةً مما تقاسيهِ | 
| ولا استطاعت دموعٌ منكَ طائلةٌ | تطهيرَ طاغيةٍ من سكرة التّيهِ | 
| ولا أصختَ إلينا معشراً وقفوا | حياتَهم لكَ في نُصحٍ وتوجيهِ | 
| نبني لك الشرفَ العالي فتهدِمُه | ونَسْحَقُ الصَّنَمَ الطاغي فتبْنيهِ | 
| نَقْضي على خصمكَ الأفعى فتبعثُهُ | حيّاً ونُشْعُلُ مصباحاً فتُطْفِيهِ | 
| قَضَيْتَ عُمْرَكَ ملدوغاً، وهأنذا | أرى بحضنكَ ثُعباناً تُربّيهِ | 
| تشكو لهُ ما تُلاقي وَهْو مُبتعثُ الشْـ | ــكْوى وأصلُ البَلا فيما تُلاقيهِ | 
| أحْلى أمانيهِ في الدنيا دموعُكَ تُجْـ | ـريها، ورأسُكَ تحت النّيرِ تُحْييهِ | 
| وجرحُكَ الفاغر الملسوعُ يحقِنُهُ | سُمّاً، ويعطيه طِبّاً لا يداويهِ | 
| فلا تُضِعْ عُمْرَ الأجيالِ في ضعة الشْـ | ــكوى فيكفيكَ ماضيه، ويكفيهِ | 
| فما صُراخُكَ في الأبوابِ يعطفُهُ | ولا سجودُكَ في الأعتاب يُرضيهِ | 
| لا عنقُكَ الراكعُ المذبوحُ يُشْبِعُهُ | بطشاً، ولا دمُكَ المسفوحُ يُرويهِ | 
| فامْدُدْ يديكَ إلى الأحرارِ متّخذاً | منهمْ ملاذَكَ من رقٍّ تُعانيهِ | 
| ماتوا لأجلكَ ثم انبثّ من دمهم | جيلٌ تؤججُهُ الذكرى، وتُذكيهِ | 
| يعيشُ في النكبةِ الكبرى ويجعَلُها | درساً إلى مُقْبِل الأجيالِ يُمليهِ | 
| لا يقبلُ الأرضَ لو تُعطى له ثمناً | عن نهجه في نضالٍ، أو مَباديهِ | 
| قد كان يخلُبُهُ لفظٌ يفُوه به | طاغٍ، ويخدعُهُ وعدٌ، ويُغْويهِ | 
| وكان يُعْجبه لصٌّ يجودُ لهُ | بلقمةٍ سَلّها بالأمْسِ من فِيهِ | 
| وكان يحتسِبُ التمساحَ راهِبَهُ الْـ | ـقِدّيسَ من طولِ دمعٍ كان يجريهِ | 
| وكان يَبذُلُ دنياه لحاكِمِهِ | لأنه كان بالأُخرى يُمنّيهِ | 
| وكان يرتاعُ من سوطٍ يلوحُ له | ظنّاً بأن سلامَ الرقّ يُنجيهِ | 
| واليومَ قد شبَّ عن طوقٍ، وأنضجَهُ | دمٌ، وهزّتْه في عنفٍ معانيهِ | 
| رأى الطغاةُ بزن الخوف يقتلهُ | وفاتهم أن عنفَ الحقدِ يُحييهِ | 
| قالوا انتهى الشعبُ إنا سوف نقذفهُ | إلى جهنّمَ تمحوه، وتُلغيه ِ | 
| فلينطفئْ كلُّ ومضٍ من مشاعرهِ | ولينسحقْ كلُّ نبضٍ من أمانيهِ | 
| وليختنقْ صوتُهُ في ضجّة اللهبِ الْـ | أَعْمى وتحترقِ الأنفاسُ في فِيهِ | 
| لِنْشربِ الماءَ دَمّاً من مذابحهِ | ولنحتسِ الخمرَ دمعاً من مآقيهِ | 
| ولنفرحِ الفرحةَ الكبرى بمأتمهِ | ولنضحكِ اليومَ هُزْءاً من بواكيهِ | 
| ولنمتلكْ كلَّ ما قد كان يملكهُ | فنحن أولى به من كلّ أهليهِ | 
| وَلْينسَه الناسُ حتى لا يقولَ فَمٌ | في الأرض ذلك شعبٌ مات نرثيهِ | 
| ويحَ الخياناتِ، مَن خانت ومن قتلتْ؟ | عربيدُها الفظّ يُرديها وتُرديهِ | 
| الشعبُ أعظمُ بطشاً يومَ صحوتهِ | من قاتليه، وأدهى من دواهيهِ | 
| يغفو لكي تخدعَ الطغيانَ غفوتُهُ | وكي يُجَنَّ جنوناً من مخازيهِ | 
| وكي يسيرَ حثيثاً صوبَ مصرعهِ | وكي يخر َّوشيكاً في مهاويهِ | 
| علتْ بروحي همومُ الشعبِ وارتفعتْ | بها إلى فوق ما قد كنتُ أبغيهِ | 
| وخوّلتْني الملايينُ التي قُتِلتْ | حقَّ القِصاص على الجلاّد أَمْضِيهِ | 
| عندي لشرِّ طغاةِ الأرضِ محكمةٌ | شِعري بها شرُّ قاضٍ في تقاضيهِ | 
| أدعو لها كلَّ جبّارٍ، وأسحبهُ | من عرشه تحت عبءٍ من مساويهِ | 
| يحني ليَ الصنمُ المعبود هامتَهُ | إذا رفعتُ له صوتي أُناديهِ | 
| أقصى أمانيه منّي أن أُجنّبَهُ | حُكْمي، وأدفنه في قبر ماضيهِ | 
| وشرُّ هولٍ يلاقيه، ويسمعهُ | صوتُ الملايينِ في شعري تُناجيهِ | 
| وإنْ يرى في يدي التاريخَ أنقلهُ | بكلّ ما فيه للدنيا وأَرويهِ | 
| يرى الذي قد تُوفّي حُلْمَ قافيةٍ | مني فيُمعن رعباً في تَوفّيهِ!! | 
| وليس يعرف أني سوف ألحقهُ | في قبره ازْدادَ موتاً، أو مَرائيهِ | 
| أُذيقه الموتَ من شعرٍ أُسجّرهُ | أشدُّ من موتِ «عزريلٍ» قوافيهِ | 
| موتٌ تجمّعَ من حقد الشعوبِ على الـ | ـطُغيانِ فازداد هولاً في معانيهِ | 
| يؤزّه في اللظى غمزي، ويُذهلُهُ | عن الجحيم، وما فيه، ومَنْ فيهِ | 
| سأنبش الآهَ من تحت الثرى حِمَماً | قد أنضجتْه قرونٌ من تلظّيهِ | 
| وأجمع الدمعَ طُوفاناً أُزيل بهِ | حكمَ الشرورِ من الدنيا وأنفيهِ | 
| أُحارب الظلمَ مهما كان طابعُهُ الْـ | ـبَرّاقُ أو كيفما كانت أساميهِ | 
| جبينُ «جنكيزَ» تحت السوطِ أجلدهُ | ولحمُ «نيرونَ» بالسفّود أشويهِ | 
| سِيّان من جاء باسم الشعبِ يظلمهُ | أو جاء من «لندنٍ» بالبغي يَبغيهِ! | 
| «حَجّاجُ حَجّةَ» باسم الشعبِ أطردهُ | وعُنْقُ "جنبولَ "باسم الشعبِ ألويهِ | 

 






